بالرغم من التهويل.. هل التهدئة ممكنة؟

تتزايد في الآونة الأخيرة الأحاديث حول احتمال دخول لبنان في فصول جديدة من الحرب بعد انتهاء الحرب في غزة، خصوصاً مع تزايد التوترات الإقليمية وتبادل الرسائل السياسية والعسكرية بين أكثر من طرف. لكن المؤكد حتى الآن، وفقاً لمعظم القراءات السياسية، أن احتمالات اندلاع حرب إيرانية أو الاصح اشتباك إقليمي واسع بين إيران وإسرائيل تبقى أكبر بكثير من احتمال نشوب حرب شاملة على لبنان في المدى القريب.


ففي الوقت الذي تحاول فيه طهران إرسال إشارات تهدئة وطمأنة إلى أكثر من جهة إقليمية ودولية، تبقى مخاطر الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة قائمة. ذلك أن ميزان الردع بين إيران والغرب لا يزال هشًّا، وأي خطأ في الحسابات أو ضربة غير محسوبة قد يشعل جبهة لم تكن في الحسبان، خصوصاً في ظل التداخل الميداني الكبير في البحر الأحمر وسوريا والعراق ولبنان.

ومع ذلك، يرى بعض المتابعين أن المنطقة قد تدخل في مرحلة مراوحة سياسية وأمنية متوسطة المدى، بحيث لا تتجه نحو تصعيد شامل، ولا نحو تسوية نهائية. هذه المرحلة قد تُترجم بهدوء نسبي في بعض الجبهات، يقابله استمرار لحروب الظل والعمليات المحدودة. الأسباب التي تدفع بهذا الاتجاه كثيرة، أبرزها أن الولايات المتحدة تواجه تحديات معقدة على أكثر من محور، سواء في أوروبا مع الحرب الروسية الأوكرانية، أو في الملفات الاقتصادية، أو في السباق المحتدم مع الصين على النفوذ العالمي.

من هذا المنطلق، لا تبدو واشنطن مستعدة لخوض مواجهة جديدة كبرى في الشرق الأوسط، خصوصاً في توقيت حساس داخلياً واقتصادياً. لذلك، قد تكتفي الولايات المتحدة ومعها إسرائيل بمحاولة تثبيت ما تعتبرانه إنجازات استراتيجية تحققت في السنوات الماضية، عبر ضمان استمرار حرية الحركة العسكرية والأمنية لإسـرائيل في عدد من دول المنطقة، ومن ضمنها لبنان، من دون الحاجة إلى شن حرب واسعة النطاق.

بهذا المعنى، فإن الحرب على لبنان قد لا تكون مطروحة حاليا، بل مؤجلة إلى حين تتبدل المعادلات أو تتضح نتائج الصراع الإقليمي الأكبر. وحتى ذلك الحين، ستبقى البلاد على تماس دائم مع التوتر، ضمن معادلة دقيقة من الردع والانتظار، تُبقي خطر الحرب قائماً ولكن مؤجلاً، وتمنح المنطقة فترة استراحة موقتة قبل أي انفجار جديد محتمل.