أبراج المراقبة البريطانية جنوبا: دعم أمني للجيش ورفض اسرائيلي؟

في خضم المشهد السياسي المعقّد، وعلى بعد عشرين يوما من الموعد المفترض لتسليم الجيش خطته الأمنية لتسلم سلاح حزب الله، عاد إلى الواجهة الحديث عن العرض الرسمي الذي تلقّاه لبنان الشهر الماضي من المملكة المتحدة، والذي يتضمّن إقامة أبراج مراقبة متطوّرة على طول الحدود الجنوبية، على أن تُسلم هذه المنشآت إلى الجيش .



يهدف المشروع إلى دعم تنفيذ القرار الدولي 1701، وتعزيز مهمة الجيش في مراقبة الحدود الجنوبية، في ظل الوضع المتوتر بين حزب الله” وإسرائيل. ويتضمّن العرض الذي قدمه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي خلال زيارته قصر بعبدا في تموز الماضي، تثبيت أبراج مزوّدة بكاميرات مراقبة نهارية وليلية، وأجهزة اتصال حديثة، وربما أنظمة مسح حراري.

ويذكر أن هذا المشروع يعد استكمالًا لنموذج سابق، حيث أنشأت بريطانيا ما بين عامي 2011 و2019 أبراج مراقبة مماثلة على الحدود الشرقية مع سوريا، وسُلمت لاحقا إلى الجيش في إطار دعمها المستمر للمؤسسة العسكرية. ورحّب قائد الجيش يومها العماد جوزاف عون بالمشروع، معتبرا أن أي دعم يعزز الاستقرار الحدودي ويقوي مهمة الجيش وقوات اليونيفيل في الجنوب، هو محلّ تقدير. إلا أن الحكومة اللبنانية لم تعط موافقتها النهائية بعد، بل أبلغت الجانب البريطاني أن أي بحث في تفاصيل المشروع يجب أن يسبق بخطوات ميدانية أساسية، أبرزها تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، ووقف الخروقات الإسرائيلية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من النقاط الخمس المتبقية على الحدود.

وكان مجلس الوزراء في جلستي الثلاثاء والخميس قد ركز حصريا على بند تسليم السلاح، في حين أن بعض الأطراف ترى أن هذا البند يجب أن يناقش فقط بعد استكمال الانسحاب الإسرائيلي ووقف الاعتداءات المتكررة.

ورغم الطابع الأمني والتقني للمشروع البريطاني، إلا أن نقاشا سياسيا بدأ يتصاعد في الداخل اللبناني، تحديدا حول وجهة الكاميرات: هل ستركز على الداخل اللبناني لمراقبة تحرّكات حزب الله فقط؟ أم أنها ستغطي أيضا الجانب الإسرائيلي؟ هذه الأسئلة تطرح حساسيات كبيرة في ظل تجاذبات إقليمية متزايدة ومخاوف من رفض إسرائيلي لأي بنية مراقبة تقنية تابعة للدولة اللبنانية على مقربة من حدودها الشمالية.
ويرى العميد المتقاعد منذر الأيوبي أن التعقيدات الأمنية والسياسية الراهنة، لا سيما بعد صدور قرار مجلس الوزراء حول حصرية السلاح بيد الدولة، قد تؤجل أو تعرقل تنفيذ هذا المشروع، خصوصا أن إسرائيل ستعتبره تهديدا مباشرا لمراقبة معسكراتها ومستوطناتها. وبحسب الأيوبي، في حال قبِل المشروع، فإن إسرائيل ستشترط تنسيقا دقيقا مع بريطانيا لتحديد أماكن إقامة الأبراج بما يضمن أن تكون المراقبة باتجاه الحدود اللبنانية فقط، دون استهداف أراضي فلسطين المحتلة.
ويضيف أن تجارب سابقة مع اليونيفيل تؤكد أن إسرائيل قد ترفض أي بنية مراقبة لا تخضع لإشراف دولي صارم، خاصة بعد تدميرها أبراج مراقبة أنشأتها قوات الطوارئ الدولية خلال العدوان السابق على الجنوب. كما يشير الأيوبي إلى أن القرار الأممي 1701 لا ينص صراحة على إقامة مثل هذه المنشآت، ما يطرح إشكالية قانونية إضافية، ولا يُمكن المضي بالمشروع إلا إذا تم حصره بإشراف اليونيفيل أو اللجنة العسكرية الدولية المشتركة. ويتابع الأيوبي أن إسرائيل، في حال وافقت مبدئيا، ستطالب بضمانات تقنية مشددة، مثل: تشفير خاص للبيانات لا يمكن تعديله محليا. نظام خط أمان يوقف العمل تلقائيا في حال رصد استخدام غير متفق عليه. وحتى في هذه الحالة، قد يعتبر الجيش الإسرائيلي أن أي تطور ميداني سلبي أو تصعيد مع حزب الله يسقط التفاهمات ويحول الأبراج إلى أهداف عسكرية.
تنظر بريطانيا إلى هذا المشروع كجزء من دعمها الطويل الأمد للمؤسسة العسكرية اللبنانية. فقد أفادت السفارة البريطانية في بيروت بأن المملكة المتحدة قدّمت منذ عام 2009 أكثر من 161 مليون جنيه إسترليني كمساعدات أمنية للبنان، منها 106 ملايين خُصّصت مباشرة للجيش، وشملت تدريبًا، تجهيزات، وبنية تحتية. وقد توّج هذا التعاون مؤخرًا بمشاركة قائد الجيش العماد رودولف هيكل في اجتماع “مجموعة التنين” في إدنبرة – اسكتلندا، وهي منصة أطلقتها لندن عام 2018 للحوار العسكري بين قادة جيوش المنطقة.

الاجتماع، الذي شارك فيه قادة من عدة دول في الشرق الأوسط، تخلّلته لقاءات رفيعة المستوى بين العماد هيكل ورئيس أركان الدفاع البريطاني الأدميرال سير طوني رادكين، ومسؤولين عسكريين آخرين. وشدّدت بريطانيا خلال اللقاءات على التزامها الثابت بدعم الجيش اللبناني “باعتباره المدافع الشرعي الوحيد عن لبنان”، وفق ما جاء في بيان السفارة.