في معظم بلدان العالم، يُنظر إلى الـ tips على أنها خيار شخصي، مرتبط برضا الزبون عن جودة الخدمة، وغالباً ما تُمنح مباشرة إلى النادل أو العامل. أما في لبنان، فقد بات من الشائع أن يُضاف “البقشيش” تلقائياً إلى الفاتورة، دون استئذان الزبون أو حتى إعلامه أحياناً، مما يطرح علامات استفهام عديدة: هل تحوّل البقشيش إلى إلزام؟ من يستفيد منه فعلياً؟ وهل يحصل العاملون في المطعم على حقوقهم كاملة؟
الأمر لا يقتصر على الزبائن فقط، بل يمتد إلى داخل المطابخ وقاعات الطعام، حيث يتحدّث بعض النُدُل عن “حرمانهم من البقشيش الذي يُفترض أن يكون مخصصاً لهم، أو عن إجبارهم على تسليمه لصاحب المطعم أو تقاسمه مع الإدارة”. في المقابل، يبرّر بعض أصحاب المطاعم هذه الممارسات “بظروف تشغيلية قاسية، وتكلفة تشغيل مرتفعة يصعب تغطيتها في ظل الأزمة الاقتصادية”.
في هذا السياق، قال صاحب مطعم “الطاحونة” “إن الوضع الاقتصادي لا يسمح بزيادة الرواتب، ومعظم المطاعم غير قادرة على دفع أجور مرتفعة، لذا يعتمد على الـ tips كمصدر دعم إضافي للعاملين”.
ورأى “أن من حق الإدارة أن تأخذ جزءاً من البقشيش لتغطية تكاليف تشغيلية مثل الكهرباء والمياه والمواد الأولية”.
وأوضح أن “البقشيش لا يذهب فقط للنادل، بل يُوزع على كامل الفريق (المطبخ، عمال التنظيف، إلخ)، لتحقيق عدالة داخلية”.
ويعتبر ابراهيم وهو موظف في احدى المطاعم “أن البقشيش هو حقه المباشر، لأنه الشخص الذي قدّم الخدمة وتعامل مع الزبون”.
ويشتكي ابراهيم من “أن الإدارة تجبره أحياناً على تسليم جزء من البقشيش أو كله، دون أي شفافية”.
ويرى أن “تقاسم البقشيش مع موظفين آخرين لا يتعاملون مباشرة مع الزبون غير منطقي، خاصة إذا لم يكن هناك نظام واضح للتوزيع”.
وأشار الى أن “معظم النُدُل يعملون بدون عقود واضحة، مما يسهل استغلالهم ومنعهم من المطالبة بحقوقهم”.
وأكد المواطن أحمد دمج أن “البقشيش ليس ضريبة، بل يجب أن يُعطى فقط في حال كانت الخدمة ممتازة”.
وأوضح دمج “أن وضع البقشيش تلقائياً على الفاتورة تصرّف غير أخلاقي وغير قانوني”.
وأشار إلى أن “المواطن بالكاد يستطيع دفع الفاتورة نفسها، فكيف يُجبر على دفع مبلغ إضافي؟”.
ويتساءل دمج: “من يستفيد من المبلغ؟ هل يذهب فعلاً للنادل؟ أم يُستخدم لتغطية نفقات أخرى؟”.
في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة التي يعيشها لبنان، تصبح أبسط التفاصيل مثل البقشيش في المطاعم مرآة تعكس خللاً أعمق في العلاقة بين العامل وصاحب العمل من جهة، وبين الزبون والمنظومة ككل من جهة أخرى. فالـ tips، التي كان يُفترض أن تكون لفتة تقدير طوعية، تحوّلت إلى عبء مفروض على الزبائن، وإلى مورد غامض المصير بالنسبة للعاملين.
المشكلة لا تكمن فقط في دفع مبلغ إضافي، بل في غياب الشفافية، والقوانين التي تحمي حقوق العمال وتُنظّم هذه العادة الاجتماعية. فالنادل قد يُحرم من حقه، والمواطن يُجبر على الدفع دون قناعة، وصاحب المطعم يبرّر الأمر بالحاجة لتغطية المصاريف.
من هنا، تبرز الحاجة إلى إطار قانوني واضح وعادل ينظّم مسألة الـ tips في لبنان، يضمن حق العامل، ويحترم حرية الزبون، ويمنع التلاعب أو الاستغلال. فالثقة بين الأطراف الثلاثة يجب أن تُبنى على أسس من العدالة والاحترام، لا على فرض أمر واقع لا يخدم أحداً في النهاية.
اترك ردك