فالأمور مرهونة بخواتيمها. وهذه الخواتيم لن تؤكل أكلها إلا بعد أن يضع الجيش خطته الموضعية والموضوعية لكيفية تسّلم سلاح “حزب الله” بالطريقة، التي تحفظ هيبة الدولة أولًا، ومن ثم ماء وجه مكّون أساسي من المكونات اللبنانية، على أن يكون التنفيذ، الذي لا بد منه، في نهاية السنة، أي بعد أربعة أشهر بدءًا من أول أيلول، مع الأمل في أن يكون طرفه مبلولًا بالحلول المرتجاة. وهي حلول، على ما يؤكده رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والحكومة بكل مكوناتها السياسية، ستكون لمصلحة جميع اللبنانيين، وبالأخصّ المكوّن الشيعي، الذي من دونه لا تستقيم الحياة السياسية.
على جميع اللبنانيين، ومن بينهم بالطبع “حزب الله”، أن يقتنعوا بأن عقارب الساعة اللبنانية لا يمكن أن تعود إلى ما وراء 5 و7 آب، وعليهم بالتالي أن يصلوا إلى قراءة موحدّة لما يمكن أن يكون عليه دور الدولة بقواها الذاتية. ومن دون الوصول إلى هذه القناعة المشتركة وإلى هذه النتيجة الطبيعية سيبقى الوضع الراهن على توترّه، وسيدخل لبنان، مرّة جديدة، في المجهول وفي المحظور.
فالقوى السياسية، التي كانت تعارض الدور السياسي لـ “حزب الله” المحمي بقوة السلاح، ولا تزال على موقفها حتى قيام الساعة، تراهن على حكمة الرئيس نبيه بري في إدارة هذا الملف بما لديه من بعد نظر ورؤية ثاقبة، وهو الذي بادر إلى إعطاء تعليماته الفورية إلى محازبي حركة “أمل” ومناصريها، بعدم المشاركة في أي تظاهرة يمكن أن يشتمّ منها أي نوع من أنواع الإساءة إلى المؤسسة العسكرية، التي قدّمت أمس الأول كوكبة من الشهداء على طريق تحرير لبنان من أي سلاح غير شرعي أو من أي وصاية خارجية.
وهذا الدور الذي لا يمكن أن يلعبه إلاّ “الأخ الأكبر” هو نتيجة قناعات لدى جميع القوى السياسية، التي تريد أن “تأكل عنبًا لا أن يُقتل الناطور”، على رغم ما لدى أغلبية هذه القوى من مآخذ على أداء “حزب الله”، الذي استقوى بسلاحه على الآخرين. فبفعل هذا السلاح عطّل البلد ثلاث مرّات وأدخله في الفراغ الرئاسي. وبقوة هذا السلاح أخاف اللبنانيين، الذين لا يزالون يتطلعون إلى الوراء منذ حوادث 7 أيار، وما تلاها من مشاهد لم تخلُ من قمصان سود، ومن “موتوسيكلات” كانت تجوب الشوارع غير المحسوبة على بيئته الحزبية في “عراضات استفزازية” في غير موقعها الطبيعي، ومع ما رافق “حركة 17 تشرين” من أعمال شغب طالت خيم المحتجّين على ما وصلت إليه حال البلد من انهيار اقتصادي ومالي نتيجة التغطية غير المجانية من قبل “مافيات السلاح” لـ “مافيات الفساد”.
البلد يعيش الآن أصعب أيامه، وهي مصيرية. وابتداء من 5 آب الجاري وحتى نهاية كانون الأول، موعد بدء تنفيذ الخطّة التي يكون الجيش قد أعدّها لتجميع سلاح “حزب الله” وغيره من السلاح أينما وجد، وبالأخصّ في المخيمات الفلسطينية، التي تأوي جميع الخارجين على القانون والمطلوبين بمذكرات توقيف من قِبل السلطات القضائية والأمنية، تبقى أيدي اللبنانيين على قلوبهم، بالتوازي مع ما لديهم من خوف متصاعد عمّا تحضّر له إسرائيل، وهي الشرّ المطلق، من مشاريع فتن لبنانية – لبنانية، على غرار ما جرى في محافظة السويداء السورية، وذلك بما يخدم “اجندتها” الاستراتيجية التقسيمية، على أن تبقى المراهنة قائمة على دور الرئيس بري، الذي يرى فيه كثيرون بأنه “بيضة القبان” للسلم الأهلي، وللحؤول دون انجرار لبنان إلى فتن مذهبية وطائفية.
اترك ردك