“اللايف كوتش”.. بين التطوير الذاتي والموضة الخطِرة

في السنوات الأخيرة، بات لقب “اللايف كوتش” أو مدرّب الحياة من أكثر الألقاب انتشاراً في العالم العربي. فمن يتصفّح منصّات التواصل الاجتماعي اليوم، لا بد أن يصادف عشرات الأشخاص الذين يقدّمون أنفسهم كمدرّبي حياة، يَعِدون متابعيهم بالسعادة والنجاح والتوازن النفسي. غير أنّ هذا الانتشار السريع يثير تساؤلات جوهرية: ما المؤهلات التي يجب أن يمتلكها اللايف كوتش؟ وكيف يمكن الوثوق به؟ وماذا يحدث حين يكون المدرّب نفسه غير مؤهَّل أو محمَّلاً بمشكلاته الخاصة؟

اللايف كوتش في جوهر عمله يُعنى بمساعدة الأفراد على تحديد الأهداف، ووضع خطط لتحقيقها، وتنمية مهارات مثل التنظيم، والتواصل، والثقة بالنفس. وهو لا يُعالج الاضطرابات النفسية بقدر ما يركّز على التحفيز وتطوير الأداء والسلوك اليومي. لكنّ المشكلة تبدأ حين يتخطّى اللايف كوتش حدوده المهنية، أو حين يفتقر إلى خلفية علمية في علم النفس، فيقدّم نصائح غير ملائمة لحالات تحتاج علاجاً نفسياً متخصّصاً.

يقول مدرب الحياة الدولي ابراهيم سليمان سليمان إنّ “اللايف كوتش يجب، على الأقل، أن يكون قد درس اختصاص العلاج النفسي، حتى يتمكّن من التعامل مع الحالات التي تستشيره. كما يجب أن يكون معالَجاً هو نفسه من كل مشكلاته، وعلى دراية بها، حتى لا يُسقطها على الآخرين، لأنّ كل تجربة إنسانية تختلف عن الأخرى”. كلام سليمان يسلّط الضوء على جانب جوهري: الوعي الذاتي للمدرّب هو شرط أساسي قبل أن يبدأ بمرافقة الآخرين في رحلة التطوير.

من الناحية المهنية، تنصّ مؤسسات التدريب العالمية، مثل الاتحاد الدولي للكوتشينغ (ICF)، على مجموعة من المعايير الأخلاقية التي يجب أن يلتزم بها المدرّبون، منها السرّية، والشفافية، وعدم تجاوز الاختصاص. وتشير تقارير مهنية إلى أنّ أفضل اللايف كوتشينغ هو الذي يجمع بين التدريب الموثوق والخبرة النفسية الكافية، وأنّ المدرّب الجيّد لا يَعِد بنتائج سحرية أو فورية، بل يساعد العميل على الوعي والتدرّج والتغيير الواقعي.

أما المخاطر المحتملة عند التعامل مع لايف كوتش غير مؤهّل، فهي عديدة. فقد يعطي نصائح مغلوطة أو مبنية على تجاربه الشخصية المحدودة، ما يعرّض العميل للارتباك أو الفشل. كما أن بعض المدرّبين يتجاوزون حدودهم، فيتدخلون في حالات نفسية معقّدة من دون تدريب أو إشراف، وهو ما يؤدي إلى تدهور الحالة النفسية للعميل بدل تحسينها. وتسجّل أيضًا حالات استغلال مادي أو معنوي، حين يقنع الكوتش عملاءه بشراء برامج باهظة الثمن مع وعود “التّحول السريع”، أو حين يستخدم ضعفهم النفسي لبناء شهرته الخاصة.

إذن، كيف يمكن الوثوق باللايف كوتش؟ ينبغي على الباحث عن الدعم أن يحتقق من شهادات المدرب ومصدرها، وأن يتأكد من أنّه تلقّى تدريبًا معترفًا به من جهة دولية أو محليّة محترفة. كما يستحسن أن يطّلع على تجارب عملاء سابقين، وأن يسأل الكوتش عمّا إذا كان يعمل بإشراف مهني أو يلتزم بمعايير أخلاقية واضحة.
ومن المهم أن يوضّح الكوتش منذ البداية حدود عمله، وأن يُحيل العميل إلى معالج نفسي عندما تتطلب الحالة تدخّلاً علاجيًا أعمق.

في النهاية، لا شكّ أنّ اللايف كوتش يمكن أن يكون أداة فعّالة في مساعدة الناس على تطوير ذواتهم، متى كان مؤهَّلاً وواعياً ومخلصاً لمهنته. لكنّ انتشار “موضة الكوتشينغ” على مواقع التواصل الاجتماعي جعل المهنة سيفاً ذا حدَّين: إمّا وسيلة للنمو الحقيقي، أو بابًا للاستغلال النفسي والمادي. لذلك، تبقى القاعدة الذهبية بسيطة: لا تتّبع من يدّعي أنه يعرفك أكثر من نفسك، بل من يساعدك على أن تفهمها بعمق ومسؤولية.