تقرير لـ”The Times”: ما مصير خطة بايدن للسلام؟

ذكرت مجلة “The Times” البريطانية أن “الدعم الكبير من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل في أعقاب الهجوم الذي شنته حماس في 7 تشرين الأول قد أفسح المجال تدريجياً للغضب والإحباط. واليوم، لم تعد واشنطن تخفي امتعاضها، وها هي اتخذت خطوة غير مسبوقة تتمثل في إنزال المساعدات الإنسانية بالمظلات في منطقة يسيطر عليها أحد حلفائها. أما في ما يتعلق بمسار حرب غزة ورفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مناقشة الهدف السياسي للحرب والنتيجة المرجوة، فإن الفجوة بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو لم تكن أكثر اتساعا أو وضوحا من أي وقت مضى”.

وبحسب المجلة، “رفضت الحكومة الإسرائيلية كل التحذيرات الأميركية المبكرة بشأن ضرورة وضع خطة “لليوم التالي”. وفي الواقع، إن الحدث المأسوي الذي وقع يوم الخميس الماضي، عندما لقي أكثر من مائة من المدنيين في غزة مصرعهم، عندما تجمعوا حول قافلة مساعدات، كان سبباً في القرار الأميركي بتقديم المساعدات من جانب واحد. وتمتد الخلافات حول إدارة الحرب حتى إلى القضية الإنسانية الأخرى، وهي القضية التي يعتبرها أغلب الإسرائيليين، وحتى بايدن نفسه، ذات أولوية قصوى والتي تتمثل في إعادة الرهائن الـ 134″.
وتابعت المجلة، “على نطاق أوسع، توفر الاستراتيجية الإقليمية الناشئة لإدارة بايدن لإسرائيل فرصة فريدة لتحويل صدمة هجوم حماس في 7 تشرين الأول 2023 والحرب التي تلت ذلك إلى فوز ثلاثي: الخروج من غزة، والتقدم على الساحة الإسرائيلية الفلسطينية الأوسع، والاندماج في تحالف إقليمي قوي. ومع ذلك، يرفض نتنياهو هذا العرض. ولا يقتصر الأمر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي على عدم إعطاء الجمهور الإسرائيلي ولا قواته المسلحة بأي فكرة عن الكيفية التي يرغب بها في إنهاء الحرب فحسب، لا بل إن شعاراته كتحقيق “النصر الكامل” أو “تدمير حماس”، والتي كررها بشكل مكثف مؤخراً، تظل بلا معنى. علاوة على ذلك، فإن “خطته” التي أعلن عنها الأسبوع الماضي تعني احتلالاً مفتوحاً لقطاع غزة، ولا تقدم لسكان غزة أي أمل أو بديل للمقاومة المسلحة”.
وأضافت المجلة، “بالنسبة لإسرائيل فإن خيارات “اليوم التالي” محدودة، وما من خطوة خالية من المخاطر. من المفترض أن يكون الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من غزة مستبعداً، وذلك لسبب وجيه. إن الفراغ الناتج عن ذلك لن يؤدي إلى عودة حماس فحسب، بل إلى ظهور “إرهابيين” جدد من كل أنحاء المنطقة والذين سوف يقومون باحتلال القطاع، ومضايقة سكانه الفلسطينيين الذين عانوا منذ فترة طويلة، وكذلك مصر وإسرائيل المجاورتين. هذه ليست المرة الأولى التي قد يحدث فيها ذلك. ففي العقود الأخيرة، اختارت إسرائيل مرتين الانسحاب من جانب واحد: الأولى، في عام 2000، من لبنان، عندما لم يكن الخيار التفاوضي متاحاً، والثانية في عام 2005، من غزة، عندما كانت الأحادية خياراً”.
وتابعت المجلة، “خلافاً لمعاهدتي السلام التي تم التفاوض عليها مع مصر والأردن، والتي تضمنت ترتيبات أمنية قوية وأثبتت مرونتها لعقود من الزمن، فإن الانسحابين الأحاديين شهدا ظهور منظمات غير حكومية قوية: حزب الله في الشمال وحماس في الجنوب، وكلاهما مسلحان بشكل مخيف. أما الخيار الثاني، وهو الاحتلال الإسرائيلي المطول للقطاع، فيعني عدم موافقة أي طرف ثالث على المساهمة في إعادة تأهيل غزة وإدارتها، وترك إسرائيل “تستمتع بالقطاع”. إن الاحتلال الدموي هناك قد يؤدي إلى انزلاق الضفة الغربية إلى وضع يشبه غزة. ومن المرجح أن يمارس الضغط الشعبي على حكومتي مصر والأردن لتجميد العلاقات مع إسرائيل، وكذلك على الموقعين على اتفاقيات إبراهيم، كما وستضيع الفرصة أمام إسرائيل لتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية”.
وبحسب المجلة، “أما الخيار الثالث، وهو تبني العرض الأميركي، فيبدو بديهيا، خاصة أنه يعكس إجماعا صاغته الولايات المتحدة بين مجموعة قوية من الدول العربية التي تضم مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وربما غيرها. لقد تعلمت هذه الدول أن ثمن تجاهل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يساهم في تقويض الاستقرار، وتعزيز قوة إيران، ويزيد التهديد باندلاع حريق أوسع نطاقا. في الواقع، يمثل يوم 7 تشرين الأول اللحظة التي تحوّل فيها حل الدولتين من مجرد كلام إلى توجيه سياسي في العديد من العواصم، بما في ذلك واشنطن. وحتى لا تضيع هذه الفرصة كما حصل سابقاً، فإن هذا الزخم الهش الناشئ حديثاً يدعو تل أبيب إلى أن تقول “نعم”، ويدعو الولايات المتحدة وشركاءها العرب إلى مواصلة المسار، كما يدعو القيادة الفلسطينية أيضاً إلى الارتقاء إلى مستوى الحدث”.
وتابعت المجلة، “تدرك واشنطن وشركاؤها العرب أنه في خضم هذه الأحداث المؤلمة، فإن الإسرائيليين والفلسطينيين ليسوا في مزاج يسمح لهم بالتفكير في اتفاق سلام في أي وقت قريب، كما ويدركون أن السلطة الفلسطينية، التي قوضتها حكومات نتنياهو المتعاقبة واحتقرها ناخبوها بسبب عدم كفاءتها وفسادها، ليست مؤهلة لمهمة حكم غزة. هذا الإدراك هو السبب الجذري لنقطة مهمة في خطة بايدن الناشئة: التدرج. ويتطلب ذلك تنفيذ إصلاحات داخلية جوهرية للسلطة الفلسطينية قبل أن يُعهد إليها تدريجياً بإدارة القطاع. وينطبق هذا أيضًا على غزة، حيث تجري مناقشة مسألة حكم مؤقت بواسطة طرف ثالث بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية”.
ورأت المجلة أن “نهج بايدن يمنح إسرائيل بديلاً لاحتلال مفتوح لغزة والأمل للفلسطينيين الذين يحتاجون إلى بديل لأيديولوجية حماس والصراع الدائم الذي تجلبه. قد يبدو الأمر بمثابة انتحار سياسي أن يقف نتنياهو في وجه رئيس أميركي يحظى بإعجاب الإسرائيليين لدعمه الثابت لهم. ومع ذلك، يبدو أن نتنياهو مصمم على محاربة الرؤية التي يقدمها بايدن”.