أولاهما أن المأخذ الفعلي للحزب على عون يكمن في أنه خضع،كسائر القوى للضغط الأميركي والسعودي، وهو الذي كان يعتقد أن الرئيس سيكون محصناً ضد هذه الضغوط. لم ينزعج الحزب من المواقف النارية لعون من السلاح، لا في خطاب قسمه الأول ولا في خطابه في ذكرى شهداء الجيش، باستثناء إشارته بالاسم إلىالحزب، وقد جاءت زيارة رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد غداة الخطاب لتؤكد هذا الانطباع.
كما أن الاستياء الآخر ليس موجهاً بالمباشر إلى الرئيس تحديداً، وإنما إلى التحالف الوثيق الذي يربطه بالرئيس نبيه بري، علماً أن الحزب يسجّل على أداء الأخير ملاحظات لا يرى أن الوقت اليوم مناسب لإثارتها، بل يتركها إلى مرحلة ما بعد جلسة السلاح،على قاعدة المثل القائل “عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان”، أو ربما الأصح، يُدان. هكذا ستكون حال العلاقة بين ركني الثنائي بعدالجلسة. أما الملاحظة الثانية فتتمثل في أن الحملات لم تصل إلىحد مقاطعة الرئيس أو وقف الحوار الثنائي الذي يجمعهمـا، إذ إن الحوار والتواصل مستمران من دون انقطاع.
وعلى مقلب بعبدا، لا يبدو أن الحملات تؤخذ على محمل الجد، بل ثمة استغراب لسلوك الحزب، وما إذا كان يراهن على
رئيس الجمهورية الذي أطلق في خطاب القسم أو خطابه الأخير مواقف تشكل شعارات ولا ترقى إلى التنفيذ، أي أنه ليس في واردأن يطبقها، علماً أن الحزب كان تبلغ في الحوار الثنائي أن الأمور تذهب في اتجاه التطبيق، وأن الضغوط التي يتعرض لها لبنانتهدد استقراره السياسي والأمني والاقتصادي والمالي، وبالتاليلا يمكن الرهان على أي دعم مالي خارجي لإعادة الإعمار وإطلاقالاقتصاد والتعافي، ما لم يُسحب ملف السلاح من التداول ويُنزع.كما أن الرئاسة حريصة على عدم تفلت الأمور على نحو يؤدي إلىزعزعة الاستقرار.
وعليه، فإن الحزب مدعو إلى الخروج من عزلته وحصاره عبر التزامالدولة والدستور، وليست جلسة مجلس الوزراء أمس إلا لوضعقطار العمل تحت سقف الدستور ومنطق الدولة على السكة.
وكتب ابراهيم الامين في” الاخبار”: ما جرى قبل وأثناء وبعد جلسة مجلس الوزراء أمس، لم يكن حدثاً عادياً، ولا تفصيلاً عابراً. وحتى لو كانت هذه السلطة عاجزة عن تنفيذ ما قرّرته، فإن الخطورة لا تكمن في توصيف الفعل بحدّ ذاته، بل في ما تكشفه من مسار يتّجه إليه البلد من الآن فصاعداً تحت إدارة هؤلاء.
فمن وافق على السير في قرار نزع سلاح المقاومة، لن يقف عند خاطر أحد عندما يقرر التفريط في أصول الدولة، من الذهب الذي بدأوا يبحثون عن سبل تسييله، إلى ما تبقّى من أملاك الدولة/ وصولاً إلى ما هو أخطر، حين تُدخَل المؤسسات الأمنية والعسكرية في دائرة التبعية المباشرة للوصاية الأميركية – السعودية التي تعمل حصراً في خدمة مصلحة العدو الإسرائيلي.
مداولات جلسة أمس أظهرت بعض التمايز في الأداء بين رئيسَي الجمهورية جوزيف عون والحكومة نواف سلام.
صحيح أن الرئيس عون سعى إلى الخروج بحل توافقي يُرضي الجميع، وحاول إقناع الوزراء المتناقشين بذلك، إلا أن الوقائع أثبتت ما قاله سلام قبل الجلسة: إن عون لن يتخذ أي موقف يعرقل الوصول إلى قرار نهائي، حتى ولو أدّى ذلك إلى «زعل» حزب الله والرئيس نبيه بري. وتبيّن أن عون، حاله حال سلام، لا يعتزم اتخاذ أي خطوة من شأنها إدخاله في مواجهة مع الجانبيْن الأميركي والسعودي.
ما فعله نواف سلام أمس، وما وافق عليه رئيس الجمهورية ومعه سائر الحاضرين في جلسة الحكومة، لا يصبّ كلُّ ذلك إلا في اتجاه واحد: تقويض الإطار الناظم للحياة الدستورية والوطنية في لبنان.
اترك ردك