“خطيئة كبرى”.. هل يكتفي “حزب الله” بالتنديد بقرار الحكومة وتجاهله؟

لا تزال مقرّرات جلسة الحكومة الاستثنائية التي عُقدت يوم الثلاثاء الماضي تتفاعل في الأوساط السياسية، وسط تباينات حادة في المواقف، وارتفاع منسوب المخاوف من التبعات التي يمكن أن تترتّب على ما وُصف بـ”القرارات التاريخية”، خصوصًا أنّها المرة الأولى التي يُطرَح فيها ملف السلاح بهذا الشكل على طاولة مجلس الوزراء، بعدما شكّل على مرّ الأعوام الماضية أحد “الخطوط الحمراء” التي يصعب الاقتراب منها أو المساس بها.

 
وفيما أجمعت أحزاب كـ”القوات اللبنانية” و”الكتائب” على الإشادة بمضمون الجلسة ونتائجها، معتبرة أنها تكرّس حصرية السلاح بيد الدولة وتفتح الباب أمام تطبيق فعلي لمبدأ السيادة، جاء الرد من الضاحية الجنوبية عالي النبرة، مع خروج “الثنائي الشيعي” عن صمته عبر بيانين شديدي اللهجة لكل من “حزب الله” و”حركة أمل”، رفضًا لما صدر عن الحكومة، إلى حدّ اعتبار القرارات “كأنها لم تكن”، وفق ما ورد في بيان الحزب.
 
هذا التباين الصارخ في المواقف، بقدر ما ينذر بانقسام عموديّ قد يكون الأوّل من نوعه في الداخل اللبناني منذ العام 2005، بقدر ما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول المرحلة المقبلة: فهل يكتفي “الثنائي الشيعي” برفع الصوت والتنديد، أم أن سقف الردود قد يرتفع، سواء على المستوى السياسي، عبر خطوات مباشرة داخل الحكومة أو خارجها، أو على المستوى الشعبي، حيث بدأ التلويح بلعبة الشارع إلى حدّ بعيد؟
 
موقف مبدئي أم بداية مواجهة؟
 
في الشكل، بدا أن البيان الصادر عن “حزب الله” هو الأكثر حدّة، إذ وصف قرار الحكومة بـ”الخطيئة الكبرى”، معتبراً أنه يجرّد لبنان من سلاح مقاومة العدو الإسرائيلي، ويحقّق لإسرائيل ما لم تستطع تحقيقه بالحرب. كما رأى الحزب أن القرار ينتهك البيان الوزاري، ولا سيّما الفقرة الخامسة منه، التي تنصّ على اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتحرير الأراضي اللبنانية، مؤكدًا أن سلاح المقاومة يشكّل أحد عناصر قوة لبنان.
 
ومع تشديده على أن القرار جاء استجابة لـ”إملاءات المبعوث الأميركي” توم براك، لم يكتف الحزب بالتعبير عن الرفض السياسي، بل اعتبر القرار كأنّه “غير موجود”، رافضًا الاعتراف به من الأساس، ومؤكدًا أن وزراءه انسحبوا من الجلسة تعبيرًا عن موقفه الثابت. مع ذلك، أشار البيان إلى الانفتاح على الحوار ومناقشة الاستراتيجية الدفاعية، ولكن “ليس على وقع العدوان”، كما ورد حرفيًا.
 
أما بيان حركة “أمل”، فجاء بنبرة أقلّ تصعيدًا، وإن لم يكن أقلّ حدّة من حيث المضمون، إذ ربطت الحركة موقفها بسياق وقف إطلاق النار الموقع في تشرين الثاني الماضي، مذكّرة بأنّ لبنان التزم ببنوده، فيما تواصل إسرائيل خرقها. ورأت أن الحكومة، بدل الضغط لتثبيت الاتفاق ومنع الاعتداءات، تتسرّع في تقديم “تنازلات مجانية”، داعية إلى “تصحيح المسار” في جلسة الحكومة المقبلة، والعودة إلى “التضامن اللبناني كما كان”.
 
ما بعد البيان: هل من تصعيد مرتقب؟
 
استنادًا إلى ما ورد في بياني الحزب والحركة، وإلى أجواء الأوساط المحسوبة عليهما، يتضح أن “الثنائي الشيعي” اختار هذه المرة الانتقال من التلميح إلى التصريح، في موقف سياسي هو الأوضح منذ تشكيل حكومة الرئيس نواف سلام، لا سيما أن البيانين صدرا بتوقيت متقارب، وبمضامين متقاطعة ترفض صراحة أي مسار يؤدي إلى نزع سلاح المقاومة، وتعتبر ذلك مسًّا جوهريًا بمبدأ السيادة لا تكريسًا لها.
 
لكن، وعلى الرغم من السقف العالي في الخطاب، تشير المعطيات إلى أن ما صدر حتى الآن يُعدّ موقفًا مبدئيًا أوليًا، وسط ترجيحات بعدم ذهاب “الثنائي الشيعي” إلى خطوات تصعيدية فورية في هذه المرحلة، أقلّه بانتظار اتضاح صورة جلسة الحكومة المفترض انعقادها بعد ظهر اليوم ، والتي ستُخصَّص لاستكمال النقاش حول “الورقة الأميركية” وخطة الجيش بشأن حصر السلاح، والتي يرى فيها البعض فرصة لإعادة تغليب التوافق، أو إعادة إرساء التوازن.
 
تؤكد أوساط في “الثنائي” أن ما جرى لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، لكن لا نية لفتح مواجهة سياسية أو ميدانية واسعة. فـ”حزب الله” كما “أمل” لا يريدان التفجير، بل يسعيان إلى تصحيح المسار ضمن الأطر السياسية القائمة، من خلال إعادة الاعتبار لأولويات البيان الوزاري، وفي مقدّمتها ردع العدوان وتحرير الأراضي المحتلة، لا اختزال البيان بمسألة حصر السلاح فقط، والتي، بحسب أوساط الحزب، بات البعض يتعامل معها وكأنها البند الوحيد.
وفي هذا السياق، تشدّد أوساط “حزب الله” على أن الحديث عن تسليم السلاح غير وارد في هذه المرحلة، وأنه أقرب إلى “الوهم” في ظل استمرار الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية.
 
في المحصلة، يعيش لبنان اليوم على وقع انقسام واضح في مقاربة مفهوم “السيادة”، بين من يراها في حصرية القرار الأمني والعسكري بيد الدولة، ومن يراها في الحفاظ على عناصر القوة والردع في مواجهة عدو لا يزال يحتل ويقصف ويهدّد. وبين هاتين القراءتين، تبقى الأنظار مشدودة إلى جلسة بعد ظهر اليوم … فإما تصحيح المسار، أو الدخول في مرحلة جديدة من التجاذب.