ولعلّ رمزية الجلسة لم تقتصر على مضمونها، بل على تزامنها أيضًا مع موقفٍ لافت للأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، الذي استبق النقاش برسالة واضحة المعالم، كرّس فيها مجددًا ثوابت الحزب، معتبرًا أنّ “أيّ نقاشٍ حول مستقبل لبنان الأمني يجب أن ينطلق من استراتيجية وطنية شاملة للأمن، لا من جداول زمنية تهدف إلى نزع سلاح المقاومة”، بل إن قاسم ذهب أبعد من ذلك حين رأى أنّ المقاومة “جزءٌ أصيل من النسيج اللبناني ومن ميثاق الطائف نفسه”.
وفيما تمسّك حزب الله بسرديّته المعهودة، رُفعت في المقابل نبرة الفريق المقابل، لا سيما “القوات اللبنانية”، التي لم تكتفِ بطرح الملف على الطاولة الحكومية، بل لوّحت بخطوات تصعيدية في حال عدم إقراره وفق جدول تنفيذي واضح، أو حتى في حال تأجيل البتّ به إلى جلسة لاحقة، وفق أحد المخارج التي طُرِحت، ما فتح الباب أمام تساؤلات مشروعة: هل مرّ القطوع فعلاً، أم أنّ الجلسة لم تكن سوى محطة أولى في مسارٍ طويل من الاشتباك السياسي؟
جلسة “السلاح”: ربحٌ تكتيكي للجميع؟
من حيث الشكل، خرجت الجلسة بنتيجة لافتة، أبرز ما فيها أنها عُقدت أصلاً، بعد الكثير من الرهانات على تأجيلها، وأنّ بند “السلاح” طُرح رسميًا للمرة الأولى في مجلس الوزراء، رغم أنه بقي في خانة “النقاش الأولي”. وعلى الرغم من انسحاب وزيري “الثنائي الشيعي” في الدقائق الأخيرة اعتراضًا على مضمون القرار، فإنّ الحكومة تمكّنت من اتخاذ خطوة مبدئية عبر تكليف قيادة الجيش إعداد خطة لسحب السلاح قبل نهاية العام الحالي.
بهذا المعنى، يمكن القول إنّ كل فريق سياسي خرج من الجلسة بشيء من المكاسب: الفريق الداعي لنزع السلاح سجّل نقطة سياسية تمثّلت بطرح الملف رسميًا، وصدور قرار تنفيذي مبدئي، فيما استطاع “الثنائي” احتواء النقاش من دون تصعيد شامل، مكتفيًا بانسحابٍ محدود، من دون إسقاط الجلسة أو تعطيلها، ما جنّب البلاد انفجارًا سياسيًا كبيرًا، كانت مؤشرات التوتر تحيط به في الأيام الماضية.
كذلك، بدا أن رئيس الحكومة نواف سلام تمكّن من اجتياز “القطوع” بحذر، محاولًا التوفيق بين الضغوط الداخلية والخارجية، وبين مواقف القوى المتناقضة داخل حكومته، وهو ما عكسه أيضًا قرار الحكومة بمتابعة النقاش الخميس المقبل في جلسة جديدة، يُفترض أن تركّز على الورقة الأميركية المتعلقة بالأمن جنوبًا، علمًا أنّ هذا التوازن حرص سلام على التعبير عنه في كلمته المقتضبة بعد الجلسة، والتي تعمّد فيها التركيز على دستور الطائف.
التصعيد المؤجَّل؟
بالنسبة إلى المتابعين، فإنّ هذه التهدئة الظرفية لا تعني بالضرورة نهاية “الاشتباك”. فالمواقف المعلَنة من مختلف الأطراف تشير إلى أنّ المرحلة المقبلة ستكون حبلى بالتطورات، ولا سيما مع بدء كلّ طرف بالتلويح بالشارع، فـ”القوات اللبنانية” مثلاً تحذّر من أنّ أيّ محاولة لتجميد القرار أو التهرّب من تنفيذه ستُقابَل بردّ فعلٍ سياسي وشعبي حازم، في حين أنّ “حزب الله” يقول إنه استطاع احتواء الشارع الغاضب، لكنه قد لا ينجح في ذلك إذا ما تزايدت الضغوط.
وهنا، لا تُخفي أوساط “حزب الله” امتعاضها من طريقة طرح الملف، وتعتبر أنّ هناك من يحاول فرض أجندة خارجية على الحكومة اللبنانية، تحت عنوان “نزع سلاح المقاومة”، في توقيت بالغ الحساسية، وفي ظلّ تصعيدٍ إسرائيلي مستمر على الجنوب. وفي موازاة الخشية من لعبة الشارع، على تناقضاتها، ثمّة من يخشى أيضًا أن يتحوّل تكليف الجيش بوضع خطة لسحب السلاح إلى نقطة اشتباك ميداني، في حال تمّ دفع المؤسسة العسكرية إلى واجهة الصدام مع الحزب.
وفي انتظار جلسة الخميس، التي يُنتظر أن تستكمل البحث في الورقة الأميركية المرتبطة بأمن الجنوب، تتجه الأنظار إلى كيفية تفاعل حزب الله مع هذا المسار، وما إذا كان سيعتبر أنّ الجلسة تجاوزت الخطوط الحمراء، أو أنه سيكتفي برسائل سياسية محدودة، من دون التصعيد الميداني، علمًا أنّ هناك من فهم من تزامن كلمة الشيخ قاسم مع الجلسة رسالةً إضافية، مفادها أنّ الحزب لا يعتبر نفسه معنيًا بأيّ قرار يصدر عن الحكومة حول سلاحه لا يحظى بإجماع وطني.
في الخلاصة، قد تكون الحكومة نجحت مرحليًا في تمرير سابقة سياسية من العيار الثقيل، من دون أن تنفجر من الداخل، لكنّ هذا النجاح يبقى هشًا ومشروطًا، بقدرة الأطراف على احتواء التناقضات وضبط إيقاع التصعيد، في مرحلة لا تتحمّل مزيدًا من الاهتزازات. واللافت أنّ الجميع خرج من الجلسة وهو يحاول تسجيل نقاطٍ في الميدان السياسي، لكنّ المعركة الحقيقية قد تكون لم تبدأ بعد.
سابقة “تاريخية”.. هل مرّ “قطوع” جلسة مجلس الوزراء على خير؟

في لحظةٍ سياسية وأمنية تُوصف بأنها من الأكثر دقةً وحساسيةً منذ اندلاع الحرب على جبهة الجنوب، وبما يُترجم ربما التغيّرات التي طرأت على موازين القوى في أعقابها، التأم مجلس الوزراء في جلسة يصحّ وصفها بـ”الاستثنائية”، كان ملفّ “السلاح” طبقها “الدسم” إن جاز التعبير، في سابقة وُصفت بـ”التاريخية”، سواء لجهة توقيتها، أو دلالاتها السياسية، أو حتى ما أفرزته من مشهدٍ حكوميّ لم يخلُ من التصعيد، لكنه لم يبلغ حدّ الانفجار، أقله حتى الآن.
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0
اترك ردك