مصادر مطلعة ترى أن زيارة لاريجاني ليست مجرّد محطة بروتوكولية، بل خطوة تحمل أبعاداً سياسية تتجاوز لبنان إلى الاشتباك الأوسع بين طهران وواشنطن وحلفائهما. وفي ظل العقوبات الغربية المتجددة، تتحوّل بيروت إلى ساحة اختبار إضافية لمدى قدرة إيران على المناورة، وإلى منصة لإثبات أن حضورها الإقليمي لا يزال قادراً على تجاوز الحواجز السياسية التي يضعها خصومها، سواء في السلطة أو خارجها.
لكن القراءة نفسها لا تستبعد أن يكون التحرك الإيراني نابعاً من قلق استراتيجي أعمق، يتجاوز ملف “الحزب” إلى مستقبل الطائفة الشيعية في لبنان والمنطقة، في ظل ما تصفه المصادر بـ”هجمة مضادة” تستهدف حضورها ودورها، وتستند إلى أدوات سياسية وإعلامية وأمنية معاً. ومن هنا، فإن جزءاً من أهداف الزيارة قد يكون محاولة احتواء هذا الضغط، وتثبيت خطوط دفاع سياسية قبل الأمنية.
وفي سياق آخر، يطرح بعض المراقبين احتمال أن يسعى لاريجاني، ولو بشكل غير معلن، إلى تهيئة الأرضية لحوار داخلي يفضي إلى صيغة دمج تدريجي “للحزب” في مؤسسات الدولة، على قاعدة التفاهم لا الإقصاء. لكن مساراً كهذا، إذا نضجت شروطه، سيحتاج، وفق المصادر، إلى ضمانات سياسية محلية، يُرجَّح أن تلعب فيها شخصية حليفة بارزة دوراً أساسياً.
في المقابل، لا تخلو الساحة اللبنانية من أصوات ترفض الزيارة بالمطلق، وتصفها بأنها تدخّل سافر في القرار الوطني، معتبرة أن أي دعم إيراني معلن “للحزب” يرسّخ واقع السلاح خارج سلطة الدولة ويقوّض فكرة السيادة. هذه الأصوات، التي تجد صداها في الخطاب الأميركي والخليجي، تحاول استثمار الزيارة لرفع منسوب الضغط السياسي على المقاومة وحلفائها، في لحظة تبدو فيها موازين القوى الداخلية شديدة الهشاشة.
وبين مؤيد يرى في الزيارة رصيداً إضافياً للمقاومة في مواجهة مشاريع نزع سلاحها، ومعارض يضعها في خانة تعزيز النفوذ الإيراني، تدرك طهران أن اختبار صدقيتها أمام حلفائها وخصومها معاً لم ينتهِ بعد. فذكريات اللحظات المفصلية السابقة من اغتيال قادة بارزين في المحور، إلى الحرب على الجنوب، وصولاً إلى انهيار خطوط الإمداد عبر سوريا ما زالت حاضرة، وتغذّي شكوكاً حول مدى استعدادها للتحرك المباشر إذا استأنفت إسرائيل اعتداءاتها على لبنان.
وعند هذه النقطة، يثار التساؤل عمّا إذا كان رفع طهران لنبرة خطابها في هذه المرحلة يدخل ضمن مناورة سياسية تهدف إلى استدراج واشنطن، بقيادة ترامب، إلى مسار تفاوضي جديد، يمكن أن يشمل في حصيلته البحث في ملف سلاح “حزب الله” كجزء من صفقة أوسع. وما يضيف بعداً آخر للتساؤلات هو إشارة لاريجاني الأخيرة إلى أهمية الحفاظ على التماسك الداخلي اللبناني في مختلف الظروف، وهي رسالة تحمل في ظاهرها دعوة إلى الحوار، لكنّها قد تخفي في طياتها مؤشراً على مسار سياسي جديد، أو محاولة لتهيئة الأرضية لتحولات قادمة في طريقة مقاربة إيران للملف اللبناني. فهل تمهّد هذه الزيارة لبداية مرحلة مختلفة في تعامل طهران مع الداخل اللبناني، أم أنّها مجرّد محطة عابرة في لعبة شدّ الحبال الإقليمية؟
اترك ردك