قد يظّن البعض أن الأحاديث الطويلة للموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك هي مجرد ثرثرة أو سرديات أو حتى “تخبيصات”. ولكن الحقيقة هي أن كل كلمة يقولها الرجل مقصودة ولها أهداف معينة، حتى تلك التي تبدو مستغربة أو مستهجنة كتصريحه الأخير عن مزارع شبعا، أو حتى تلك التي وصف فيها “حزب الله” بأنه حزب سياسي. فكل كلمة تخرج من فم هذا الأميركي المستعيد جنسيته اللبنانية لها معزىً محدّد، وليست مجرد “صف حكي بالطالع والنازل”، بل هو يقول ما يُطلب منه أن يقوله، وهو مجرد ناقل رسائل ليس إلاّ، و”ناقل الكفر ليس بكافر”.
ومن ضمن سياق “تبليع” اللبنانيين وغير اللبنانيين من شعوب المنطقة “طعم” التطبيع بجرعات مدروسة ومتدرجة تأتي تصريحات برّاك، الذي يبدو أنه خبير في هذه المسائل الشديدة الحساسية. فهو متحدّث لبق من الطراز الأول؛ وهكذا كان آموس هوكشتاين، الذي استطاع أن يمرّر ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من دون أن يحدث أي خدوش في علاقة “حزب الله” بالدولة، بعدما ضمن الحصول على موافقته الضمنية على هذا الاتفاق، الذي هو الأول من نوعه بين لبنان وإسرائيل، التي طالما اعتبرها اللبنانيون عدوتهم الأولى والأخيرة.
فما قاله برّاك في خلال زياراته الثلاث للبنان، وهو كلام غير مألوف، لم يكن ليلقى آذانًا صاغية لو قيل في ظروف غير تلك الظروف، التي تمرّ بها المنطقة، ومن ضمنها لبنان، الذي لا يزال وحتى إشعار آخر، الحلقة الأضعف في سلسلة غير مترابطة وغير متماسكة.
وما زيارة الموفد الأميركي لهذه المزارع سوى حلقة في سلسلة من الخطوات المترافقة مع ما ورد في المقترح الأميركي لناحية تزامن ترسيم الحدود الجنوبية والشمالية والشرقية مع لبنان.
ويبقى أن يسأل اللبنانيون السيد برّاك عن “الأراضي الأخرى” التي تحدث عنها وعن عملية تبادلها مع مزارع شبعا؟
اترك ردك