هذا ما هو مطلوب من واشنطن لتحصين الموقف اللبناني

هل يمكن القول إن ما شهدته جلستا 5 و7 آب من مناقشات وقرارات هي غيمة صيف وستمرّ كما وصفها بيان “حزب الله”، الذي اعتبر أنه سيتصرّف مع هذه القرارات وكأنها غير موجودة؟ ولكن رياح التغيير هذه المرّة لم تسر كما تشتهي سفن “الثنائي الشيعي”. فزمن الأول قد تحّول، على ما يقوله أكثر من وزير دفع في اتجاه أن يكون للحكومة موقف حاسم وصارم في ما له علاقة بملف سلاح “حزب الله”. فالوزراء ناقشوا الورقة الأخيرة التي قدّمها الموفد الأميركي توم برّاك إلى المسؤولين اللبنانيين بمشاركة وزراء “الثنائي”، الذين انسحبوا من الجلستين. ففي الجلسة الأولى انسحبوا اعتراضًا على قرار تكليف الجيش وضع خطّة زمنية لتجميع كل سلاح غير شرعي، وبالأخصّ سلاح “حزب الله”. وفي الجلسة الثانية انسحبوا لأنهم رأوا في الموقف اللبناني الرسمي ما يتعارض مع السيادة اللبنانية. وهذا حقّ من حقوق كل وزير يتعاطى مع مواضيع الساعة وفق ما يراه مناسبًا لوضعية مرجعيته السياسية. ولكن ما ليس من حقّ أي وزير أو نائب أو أي حزب من الأحزاب اللبنانية هو أن يهدّد ويتوعد باللجوء إلى الشارع. فهده “اللعبة” خطيرة جدًّا، خصوصًا أن اللبنانيين عانوا منها الأمرّين، إذ أن لكل شارع شارعًا آخر. هكذا تبدأ الفتن. وهكذا تبدأ الحروب الأهلية.

فتحريك الشارع المعترض على قرار تجميع السلاح يتعارض كليًا مع المفهوم العام للديمقراطية، لأن مثل هذه التحرّكات في بلد مثل لبنان يتعدّى بمفهومه الحق الطبيعي في التظاهر السلمي وغير المستفز لأي شارع آخر. فلبنان يقف على كف عفريت. والتجارب السابقة أثبتت أن اللجوء إلى الاستقواء بمنطق الشارع مقابل آخر قد أفضى إلى نتائج كارثية. ولكن هذا اللجوء، كما يصفه بعض منظّميه، هو نوع من أنواع التعبير عن رفض أي قرار يتعارض مع مبدأ السيادة كما تنظر إليها شريحة غير قليلة من اللبنانيين. ولكن هذا لا يعني أن تحريك الشارع سيؤول حتمًا إلى زعزعة الاستقرار العام واللعب بنار السلم الأهلي.
فمن حقّ كل لبناني أن يعبّر عن رأيه بحرية تامة، ولكن تحريك الشارع لغايات تتخطّى ما هو معلن يبقى بالنسبة إلى القوى الأمنية والعسكرية خطًّا أحمر ممنوع على أي كان تجاوزه أيًّا تكن اعتباراته الآنية، والتي يمكن أن يكون لها امتدادات أوسع مما هو ظاهر للعيان. وهذا ما كشفته تصريحات وزير خارجية إيران عباس عراقجي، الذي حاول الدخول على الخطّ اللبناني بهدف يقول البعض إنه لصبّ الزيت الإيراني على النار اللبنانية. ولكن من دون أن يعني أن أي تدّخل خارجي آخر في شأن لبناني بحت هو ليس من المحرّمات أيضًا.
فما هو مقبل عليه لبنان في المدى المنظور لا يطمئن كثيرًا. فالحديث المتداول على أكثر من صعيد عن احتمال نشوب حرب أهلية، خصوصًا إذا حاول الجيش تنفيذ قرار الحكومة بالقوة إذا قابله “حزب الله” بالرفض، وهذا ما لا يتمناه أو يسعى إليه، ليس حديثًا بريئًا، بل هو يدخل في إطار تأجيج الوضع الداخلي، ودفع اللبنانيين إلى خيارات ما زالوا حتى هذه الساعة يتجنّبون خوضها، وذلك لما فيها من مخاطر على وحدة البلد.
فما بعد 7 آب، وهو تاريخ يعني الكثير لعدد من اللبنانيين، لن يكون كما قبله، أقله على المستوى السياسي بغض النظر عن تحريك الشارع، الذي يأمل المسؤولون في أن يكون ظرفيًا وتعبيرًا عن حركة رافضة لما يعتبره المتظاهرون إخلالًا بموازين القوى، على أن تبقى هذه التحركات في إطارها السلمي.
فالحكومة اتخذت موقفًا يعتبره البعض جريئًا ومسؤولًا، فيما يرى فيه البعض الآخر “خطيئة مميتة”. فما كان يجب أن يُتخذ من موقف قد اتخذ. ولكن يبقى ما هو أهمّ من هذا الموقف هو تحصينه من الداخل والخارج حتى لا يصبح “كأنه غير موجود”. وإذا لم يحصّن من الخارج فإن مصيره آيل من دون ريبة أو شكّ إلى “البلّ والشرب من مائه” كما كان مصير غيره من المواقف والقرارات، التي لم تواكبها أي تحصينات خارجية. والمقصود بالتحصينات الخارجية بالتحديد بما له علاقة بملف حصر السلاح بيد القوى اللبنانية الشرعية أن تبادر الولايات المتحدة الأميركية، التي رحبت بهذا الموقف اللبناني، إلى الضغط على إسرائيل لوقف خرقها المستمر لاتفاق وقف إطلاق النار كخطوة أولى، على أن تليها خطوات لاحقة بالنسبة إلى انسحابها من التلال الخمس، وبالتالي المباشرة بتقديم المساعدات لإعادة إعمار القرى المهدّمة في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع. وما عدا ذلك قيمكن اعتباره مضيعة للوقت.