فرحة عند رفح.. بشائر وقف النار وعودة الحياة إلى غزة

لم يتمالك محمد، سائق شاحنة المساعدات، نفسه من الفرح عندما سمع خبر اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. انفرجت شفتاه عن ابتسامة عريضة، وراح يطلق بوق مركبته ابتهاجًا وسط هدير الشاحنات المنتظرة عند معبر رفح، بينما علت أصوات زملائه في الميدان ذاته ملوّحين بالأعلام ومعبّرين عن أمل طال انتظاره.

منذ أشهر، يعيش محمد والعشرات من سائقي الشاحنات في حالة انتظار مرهقة، يقضون أيامهم ولياليهم داخل مقصورات مركباتهم المتوقفة على مقربة من المعبر الحدودي، ترقبًا لإشارة عبور لا تأتي. كثيرًا ما كانت السلطات الإسرائيلية ترفض إدخال المساعدات، فيُضطرون لإعادة ترتيب الحمولات، وتأجيل الرحلة مرة تلو أخرى، في انتظار “فرصة إنسانية جديدة”.

الآن، ومع الاتفاق الجديد لوقف إطلاق النار، بدا أن الأمور تتغير حقًا. فقد نصّ الاتفاق على تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهو مطلب أساسي طالما شددت عليه المنظمات الدولية، بعد أن أعلنت الأمم المتحدة رسميًا دخول القطاع في مرحلة المجاعة نتيجة الحصار والحرب المستمرة منذ عامين.

العريش تستعد.. ورفح تتهيأ

في مدينة العريش المصرية، التي تحولت منذ السابع من تشرين الأول 2023 إلى نقطة مركزية لدعم غزة، تشهد المؤسسات الرسمية والإغاثية حالة استنفار شامل.

وقال محافظ شمال سيناء خالد مجاور في تصريح خاص، إن جميع الآليات والمعدات الخاصة بإزالة الركام وإعادة الإعمار جاهزة لعبور الحدود فور تلقي الضوء الأخضر. كما أشار إلى أن المستشفيات والميناء والمطار أُعيد تجهيزها لاستقبال الجرحى الفلسطينيين والمساعدات المتدفقة من مختلف دول العالم.

من جانبها، أعلنت وكالة الأونروا استعدادها لإرسال نحو 6 آلاف شاحنة مساعدات إلى داخل القطاع فور فتح المعبر رسميًا. فيما أكدت وزيرة الدولة الإماراتية ريم بنت إبراهيم الهاشمي أن الإمارات ستوسع نطاق عملياتها الإغاثية عبر زيادة خطوط المياه، ورفع عدد المخابز والمطابخ المجتمعية، وتوسيع المساعدات الطبية والمساكن الجاهزة.

أما الهلال الأحمر المصري، فقد عزّز طواقمه بالمتطوعين تحسبًا للزيادة الكبيرة في أعداد الشاحنات، التي يُتوقع أن تبدأ عبورها خلال أيام قليلة.

ورغم هذا الحراك الإيجابي، يخشى كثيرون أن لا يستمر الانفراج طويلًا، باعتبار أن الاتفاق ما زال مرحلة أولى مؤقتة، وليس تسوية دائمة للصراع.

اتفاق جديد.. وممرات أوسع للمساعدات

ينص الاتفاق على رفع عدد الشاحنات المسموح بدخولها إلى غزة إلى 600 شاحنة يوميًا، أي ستة أضعاف ما كان يُسمح به خلال الأشهر الماضية، حين لم يتجاوز العدد 100 شاحنة يوميًا.

ورغم هذه الخطوة، لا تزال التحديات قائمة، إذ كانت إجراءات التفتيش الإسرائيلية الطويلة، وقصر مدة العمل في المعابر، والرفض المتكرر لبعض الشحنات بذريعة “عدم التنظيم”، تشكل أبرز العراقيل أمام دخول المساعدات.

إلا أن الاتفاق الجديد يمنح المنظمات الإنسانية حرية أوسع في التحرك، بحيث تشمل المساعدات الأجهزة والمستلزمات الطبية وشحنات الوقود الحيوية لتشغيل المستشفيات ومحطات تحلية المياه، إلى جانب آليات إزالة الركام والمنازل المتنقلة ومواد إعادة الإعمار.

رفح تنبض من جديد

واحدة من أهم نقاط الاتفاق هي إعادة العمل في معبر رفح لحركة الأفراد والمساعدات، ما يعني عودة الحياة إلى هذا الشريان الحيوي.

وأعلن وزير الدفاع الإيطالي، الذي تمثل بلاده جزءًا من بعثة المراقبة الأوروبية، عن استئناف عمل البعثة الثلاثاء المقبل، لتنظيم عبور الأفراد والمساعدات الإنسانية.

الآلية الجديدة تتيح دخول الشاحنات مباشرة من معبر رفح إلى داخل غزة، دون المرور عبر المعابر الإسرائيلية كرم أبو سالم والعوجة، وهو ما سيُسرّع عملية الإمداد ويخفف من القيود.

وبين أصوات المحركات وأبواق الفرح عند بوابة رفح، تلوح في الأفق موجة جديدة من الأمل لسكان غزة الذين أنهكتهم الحرب والجوع. فمع كل شاحنة تستعد للعبور، يزداد الإيمان بأن الحياة يمكن أن تبدأ من جديد، ولو من صوت بوق سائق ينتظر دوره منذ شهور طويلة.