فالقوى المنضوية ضمن “الثنائي الشيعي” ومعها عدد من الشخصيات والقوى ذات الغالبية السنيّة تعتبر أن الانتخابات تشكّل فرصة لإعادة تثبيت حضورها الشعبي والنيابي بعد مرحلة من الارتباك السياسي والتراجع في الخطاب العام. بالنسبة لهذه القوى، أي تمديد جديد للمجلس الحالي سيُفسَّر على أنه تراجع، في حين أن العودة إلى صناديق الاقتراع قد تتيح لها إعادة ترتيب صفوفها واستعادة جزء من الثقة والشرعية.
في المقابل، يبدو الموقف داخل الساحة المسيحية أكثر تعقيدًا. فـ”التيار الوطني الحر” يرى أن الظروف الحالية ليست مؤاتية لخوض انتخابات جديدة، لأن المزاج الشعبي غير مضمون وقد يترجم بخسائر واضحة في عدد المقاعد ونسبة التأييد، خاصة بعد التراجع الكبير في شعبيته داخل المناطق المسيحية. أما “القوات اللبنانية”، التي تُظهر استطلاعات الرأي تقدمها في الشارع، فهي لا تبدو متحمسة هي الأخرى للانتخابات، رغم تفوقها النسبي، إذ تعتبر أن إجراءها في هذا التوقيت قد يخلط الأوراق ويضعها أمام احتمالات سياسية لا تريد مواجهتها الآن، خصوصًا في ظل احتدام التوتر الإقليمي وتغيّر موازين القوى بين ليلة وضحاها.
ورغم أن النقاش الداخلي محتدم بين مؤيد ومعارض، إلا أن الجميع يدرك أن قرار إجراء الانتخابات أو تأجيلها لا يُتخذ فعليًا داخل لبنان، بل يتوقف على مسار التطورات الإقليمية والدولية.فالقوى الكبرى المعنية بالملف اللبناني، ولا سيما الولايات المتحدة، تنظر إلى الانتخابات كجزء من مشهد سياسي أوسع مرتبط بالوضع في المنطقة. فواشنطن، وفق مؤشرات عدة، تفضّل أن تأتي الانتخابات بعد اتضاح ملامح التسويات الإقليمية، سواء كانت شاملة أو جزئية.
ويرى بعض المراقبين أن الاميركيين ، ومعهم عدد من العواصم الغربية، قد يربطون موعد الانتخابات اللبنانية بنتائج أي مواجهة محتملة مع إيران، أو على الأقل بمستقبل نفوذها في الإقليم. فإذا ما جرى إضعاف طهران سياسيًا أو عسكريًا، فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على حلفائها في لبنان، وفي مقدمتهم “حزب الله”، ما قد يفتح الباب أمام انتخابات بموازين مختلفة تمامًا.
بذلك، تبقى مسألة الانتخابات رهينة إشارة تأتي من الخارج أكثر مما هي قرار داخلي نابع من توافق لبناني. وبين انتظار الحرب أو التسوية، يستمر الجدل في بيروت بلا حسم، في مشهد يعكس مرة أخرى هشاشة الحياة السياسية اللبنانية وتبعيتها شبه الكاملة للمناخات الإقليمية والدولية.
اترك ردك