وذكرت الصحيفة في تقريرٍ ترجمهُ “لبنان24” إنَّ “الوهم الهشّ بالوحدة في سوريا ينهار مرة أخرى، وهذه المرة في محافظة السويداء، حيث أدت الاشتباكات الأخيرة إلى مقتل أكثر من 400 شخص وكشفت عن المدى الكامل لعجز النظام السوري عن كبح جماح الميليشيات التي تتخفى الآن في صورة جيش وطني”.
وأكمل: “أكدت لجنة تقصي الحقائق السورية مقتل 1426 شخصاً، مع أنها امتنعت عن تحميل كبار القادة المسؤولية الرسمية. ومع ذلك، يشير هذا النمط إلى تفكك جهاز الدولة، الذي تقوده بشكل متزايد مراكز السلطة المحلية بدلاً من المصلحة الوطنية الموحدة”.
وذكر التقرير أنَّ “الدولة السورية، التي أُعيد تشكيلها ظاهرياً بعد سنوات من الحرب، ليست فقط غير فعّالة، بل خطيرة أيضاً. يُمثل الجهاز العسكري الجديد، الذي أُعيد بناؤه حول ميليشيات غير منضبطة، يحرك الكثير منها الانتقام الطائفي بدلاً من المصالحة الوطنية، تهديداً واضحاً للمشهد العرقي والديني في سوريا”.
ورأى التقرير أنَّ “هذه المجموعات، التي اكتسبت قوتها من خلال أدوارها في الجيش، لا تحركها رؤية الوحدة الوطنية، بل ازدراء الأقليات، بما في ذلك الدروز والأكراد والعلويين والمسيحيين”، وتابع: “ما ينجم عن هذه الفوضى ليس حكومة مركزية فاعلة، بل خليط من المناطق العسكرية، كل منها موالٍ لفصيل أو قائد أو راعٍ أجنبي”.
واعتبر التقرير أنّه “في هذا السياق، لم تعد الفيدرالية تبدو نموذجاً نظرياً، بل أصبحت حلاً ضرورياً لمنع انزلاق سوريا إلى جيل جديد من سفك الدماء. إن الهيكل الفيدرالي، كما حدده العديد من المحللين الدوليين، من شأنه أن يوفر لمجتمعات سوريا المتنوعة قدراً من الحكم الذاتي والحماية، كما أنه سيخفف الضغوط الطائفية التي طالما استغلتها السلطات المركزية والجهات الخارجية على حد سواء”.
ورأى التقرير أنَّ “الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد في شمال وشرق سوريا توفر بالفعل مثالاً عمليًا لكيفية ظهور الفيدرالية”، مشيراً إلى أنَّ “هذا النموذج الذي بُني على مبادئ اللامركزية والحكم المتعدد الأعراق والمساواة بين الجنسين، لم يحافظ على الاستقرار النسبي في الشمال الشرقي فحسب، بل كان أيضاً حاسماً في الحرب العالمية ضد تنظيم داعش”.
وأوضح أنه “من شأن الفيدرالية أيضًا أن تُسهم في إعادة توازن القوى في سوريا بما يُواجه التطرف المتزايد”، وأضاف: “رغم ندرة التصريح بذلك علناً، يُشير العديد من المراقبين الإقليميين إلى أن بعض الجهات الفاعلة في شمال سوريا أصبحت ملاذًا آمناً للحركات الجهادية”.
وتابع: “لقد سمح التأثير الخارجي، الذي يتم تأطيره في كثير من الأحيان باعتباره تنسيقاً أمنياً للجماعات المتطرفة بترسيخ نفسها في هياكل الحكم المحلي. وبمنح المجتمعات المحلية استقلالاً مشروعاً في إطار اتحادي، يمكن لسوريا أن تُضعف جاذبية الأيديولوجيات الجهادية، فعندما تشعر المناطق ذات الأقليات بالحماية والمشاركة في حكمها الخاص، تتلاشى جاذبية التطرف”.
وأضاف: “ستسمح الفيدرالية أيضاً للقوى السورية المعتدلة، التي لا تزال تؤمن بالتعددية، بالابتعاد عن المناطق الأكثر تطرفاً الخاضعة للرعاية الأجنبية، ًوهذا من شأنه أن يُسهم في إعادة تشكيل الخريطة السورية، ويخلق ثقلاً استراتيجياً موازناً طويل الأمد للعناصر الإسلامية المتشددة العاملة في الشمال”.
وأكمل: “سوريا ليست بحاجة إلى ثورة أخرى. إنها بحاجة إلى هيكل جديد، هيكل يعكس تعقيدها الطائفي وتعدديتها التاريخية. لن تحل الفيدرالية كل مشاكل سوريا، لكنها تُقدم خارطة طريق لتهدئة الأوضاع، وأمن المجتمع، ومستقبل أكثر استدامة. وإذا كان المجتمع الدولي يسعى حقاً إلى سوريا ما بعد الصراع، مستقرة وشاملة ومقاومة للتطرف، فعليه التخلي عن وهم إعادة المركزية. وبدلاً من ذلك، عليه دعم نموذج فيدرالي يُمكّن المجتمعات المحلية من السويداء إلى القامشلي وما وراءهما”.
المصدر:
ترجمة “لبنان 24”
اترك ردك