وأكمل: “ما قاله قاسم كلمات جريئة، لكنها في معظمها تبجح وتهديد. كان قاسم يُلمّح إلى أن حزب الله لا يزال يتمتع بأوثق شراكة مع الحكومة اللبنانية. وفي الواقع، فقد تآكلت قبضة حزب الله الحديدية السابقة على البلاد بشكل كبير، وبدأت الحكومة المنتخبة حديثاً في فرض سلطتها في مناطق كانت كلمة حزب الله فيها قانوناً لعقود. إن مفهوم الدولة داخل الدولة آخذ في التلاشي، وقد تعود دولة لبنان ذات السيادة الحقيقية إلى الظهور”.
وأضاف: “لمدة عامين، أبقى حزب الله وحلفاؤه السياسيون لبنان بحالة جمود سياسي، رافضين السماح بإجراء انتخابات رئاسية. لم يسمح حزب الله بانتخاب جوزيف عون رئيساً وتشكيل الحكومة الجديدة إلا بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في تشرين الثاني 2024. ومنذ ذلك الحين، تجري القيادة اللبنانية مفاوضات مع المبعوث الأميركي الخاص توم براك بشأن خطة تدريجية لنزع سلاح حزب الله وإعادة ترسيخ احتكار الدولة اللبنانية للأسلحة”.
التقرير يُتابع: “تشير التقارير إلى أن القوات المسلحة اللبنانية قامت بتفكيك أكثر من 90% من البنية التحتية العسكرية لحزب الله في جنوب لبنان، على الرغم من أن حزب الله يحتفظ بأسلحة وقدرات جوهرية شمال نهر الليطاني. كذلك، لم يعد حزب الله كما كان عليه من الناحية السياسية أو المالية. أيضاً، لم يعد الحزب قادراً على إملاء سياسة الحكومة، ومع ذلك، يحتفظ بكتلة برلمانية مهمة تُعرف باسم الوفاء للمقاومة. أما في ما يتعلق بتمويله، فقد كانت جمعية القرض الحسن بمثابة البنك الفعلي لحزب الله، وفي تموز، حظر مصرف لبنان المركزي التعامل مع الجمعية المذكورة”.
وأضاف: “أيضاً، تضرَّر عدد كبير من المدارس، وخاصةً في الجنوب، فيما حُوّل بعضها إلى ملاجئ طوارئ، بينما لا يتلقى العديد من الأطفال تعليمهم. لقد ضعفت قدرة حزب الله على قيادة إعادة الإعمار والدعم الاجتماعي بشكل واضح، وتشير التقارير إلى فقدان الثقة بين قاعدته الشعبية التقليدية، وخاصةً بين المدنيين الشيعة”.
وذكر التقرير أنَّ “الإدارة اللبنانية الجديدة تُركّز على تعزيز مؤسسات الدولة”، وأضاف: “لقد ربطت الجهود الدبلوماسية الأخيرة صراحةً بين المطالب اللبنانية بانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان والالتزام ببسط سلطة الدولة وتقييد عمليات حزب الله المستقلة وسلطته الاجتماعية. وتاريخياً، عالجت برامج حزب الله الاجتماعية إهمال الحكومة المركزية للطائفة الشيعية، ومن خلال توفير فرص العمل والرعاية الاجتماعية والمساعدات المباشرة، أنشأ حزب الله مواطني الظل المرتبطين ارتباطاً وثيقاً بمؤسساته، مما عزز نفوذه السياسي والاجتماعي. ووفقاً لاستطلاع رأي أُجري عام 2024، أعرب حوالي 85% من الشيعة اللبنانيين الذين شملهم الاستطلاع عن ثقتهم بالحزب”.
وتابع: “مع ذلك، كان الدعم الوطني الإجمالي أقل بكثير، إذ لم يثق بحزب الله سوى حوالى 30% من اللبنانيين، بينما أفاد 55% بانعدام ثقتهم به إطلاقاً. كذلك، كان الدعم بين السنة والدروز والمسيحيين محدوداً (أقل من 16% في كل فئة). أيضاً، أظهرت الانتخابات البلدية لعام 2025 أن حزب الله وحليفته حركة أمل لا يزالان يحظيان بنفوذ كبير وواسع على جنوب لبنان، لكن مرشحي الإصلاح والمعارضة حققوا مكاسب، حتى في بعض معاقل حزب الله التقليدية. هذا الأمر يشير إلى أن شرعية حزب الله، حتى ضمن قاعدته الانتخابية الأساسية، قد تضررت بسبب فقدانه لقيادته الكاريزماتية وتراجع مكانته العسكرية”.
واستكمل: “لقد ضعفت قوة حزب الله أكثر بسبب عجزه عن حماية أو إعادة بناء المجتمعات الشيعية التي دمرتها الحرب، وبسبب دوره المفترض في التسبب في الأزمة الاقتصادية في لبنان في السنوات القليلة الماضية. في عام 2023، ارتفع التضخم إلى مستوى مذهل بلغ 221.3%، وانخفض إلى 45.2% في عام 2024، ولكن بحلول أيار 2025، نجحت الإجراءات الحكومية في خفضه إلى 14.4%، وهو معدل لا يزال مرتفعاً جداً لتحقيق الاستقرار، ولكنه على الأقل تحت السيطرة”.
وتابع: “أظهر الاقتصاد اللبناني أيضاً علامات انتعاش هش منذ وقف إطلاق النار. فبعد انكماش حاد بنسبة 7.1% في عام 2024، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 4.7% في عام 2025، مسجلاً أول نمو له منذ عام 2017. ويعود هذا الانتعاش إلى تحسن الاستقرار السياسي، وانتعاش السياحة، وزيادة الإنفاق الاستهلاكي، وتدفقات رأس المال المتواضعة. أيضاً، لقد عزز انتخاب رئيس جديد على رأس حكومة موجهة نحو الإصلاح، وحاكم جديد للبنك المركزي، وإصلاحات رئيسية، ودعم دولي، التفاؤل المتجدد والبيئة الأكثر استقراراً. ورغم عودة النمو للمرة الأولى منذ سنوات، وانخفاض التضخم بشكل كبير عن ذروته، فإن الاقتصاد اللبناني لا يزال هشاً”.
واعتبر التقرير أن “التعافي المُستدام سيعتمدُ على الإستقرار السياسي وعلى الإصلاحات بشكلٍ أكبر”، موضحاً أن “ذلك يعتمدُ بالدرجة الأولى على منع حزب الله من استعادة أي قدر من النفوذ الذي تمتع به في لبنان على مدى ربع القرن الماضي”.
المصدر:
ترجمة “لبنان 24”
اترك ردك