ردّ “حزب الله” على زيارة هوكشتاين… أوقفوا حرب غزة و”بعدين منحكي”

قيل الكثير عن زيارة الست ساعات التي قام بها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لبيروت حتى قبل أن تنتهي، والتي التقى في خلالها، إضافة إلى الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري وقائد الجيش العماد جوزاف عون، الوزير السابق وليد جنبلاط ووفدًا من “المعارضة” النيابية، فيما غاب عن “أجندة لقاءاته السريعة وزير الخارجية عبدالله بوحبيب لأسباب يُقال إنها تعبير عن استياء أميركي من مواقفه الأخيرة، التي يبدو أنها غير متطابقة، في نظر الديبلوماسية الأميركية، مع وجهة نظر الحكومة، التي يعبّر عنها رئيسها في شكل واضح وغير ملتبس.

فما قيل إعلاميًا عقب هذه الزيارة الخاطفة، وقبل أن تنكشف حقيقة ما سمعه الذين التقوا الموفد الأميركي، فيه الكثير من الاستنتاجات غير المدّعمة بمعلومات مستقاة من مصدرها. وما سيُقال في الأيام الآتية كمادة إعلامية دسمة سيكون كثيرًا، مع أن ما كشفه عقب لقائه في “عين التينة” لا يحتاج إلى الكثير من الشرح والتبسيط. فالكلام الأميركي مفهوم لغةً ومعنىً ومضمونًا، خصوصًا أن الذين يعرفون هوكشتاين عن قرب يقولون عنه إنه لا يعرف “اللف والدوران”، وهو يقول الأمور كما هي من دون لجوئه إلى مفردات اللغة الديبلوماسية، حتى ولو كان على يقين من أن أي كلام سيصدر عنه لن يرضي الجميع، لا في الداخل اللبناني ولا خارجه، وهو يعبّر بالتالي عن موقف بلاده مما يجري في الجنوب اللبناني، بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” على طول الحدود الجنوبية – الشمالية لكل من لبنان وإسرائيل.
فالمرء المتتبع لمسار سياسة واشنطن في المنطقة لا يحتاج إلى براهين كثيرة ليعرف ماذا حمل معه الموفد الرئاسي الأميركي من اقتراحات وأفكار ومشاريع حلول تبقى برسم الحكومة والمجلس النيابي الممثلين بالرئيسين ميقاتي وبري، وذلك في انتظار ما يمكن أن يحمله معه من أجوبة على أسئلة كثيرة طُرحت عليه في اللقاءين الرسميين، والتي تتعلق حصرًا بقابلية إسرائيل على تطبيق القرار 1701، قبل أن تطالب واشنطن والمجتمع الدولي “حزب الله” بالالتزام به، وهو الذي يعلن أنه يقوم بحماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية.
فإذا عاد هوكشتاين إلى بيروت آتيًا من تل أبيب فهذا يعني أن هناك إمكانية للبحث في المرحلة التي ستلي “هدنة رمضان” في حال تم التوصّل إلى اتفاق مبدئي بين حركة “حماس” وممثلين عن الحكومة الإسرائيلية، مع أن مقربين من محور “الممانعة” في لبنان يستبعدون التوصّل إلى هكذا اتفاق ما دامت إسرائيل تمعن في اعتداءاتها، سواء في القطاع أو مؤخرًا في الضفة الغربية، أوفي جنوب لبنان، خصوصًا بعد فشل محاولة التسلل، التي قامت به فرقة “غولاني”. ويُقال إن القيادة الإسرائيلية كانت تختبر مدى القدرة القتالية والمواجهة على الأرض في حال قررت غزو لبنان برًّا.
اذًا، يمكن القول إن زيارة هوكشتاين انتهت ولم تنتهِ في الوقت ذاته. وإذا أراد المراقبون اختصار الساعات الست البيروتية وفق التوقيت الأميركي فيمكن القول إن الزيارة انتهت بتثبيت ما يُعرف بـ “قواعد الاشتباك” ومن دون مفاجآت غير محسوبة، ومطالبته بان تكون الهدنة المفترضة مقدمة لوقف نار مستدام على الحدود، وهو مطلب لبناني قبل أن يكون اميركيًا. وهو قدّم افكارًا متقدمة لكيفية استعادة الهدوء، وطالب في لقاءاته بأن تحصل خطوات عملية لكي تسري الهدنة في غزة على الحدود الجنوبية، مشددا على دور الجيش في تطبيق الـ 1701.
ما فُهم حتى الآن مما حمله هوكشتاين هو أنه بات مقتنعًا بتجزئة الحل الى ثلاث مراحل، تبدأ من تثبيت وقف إطلاق النار على الجبهة الجنوبية فور إعلان وقف إطلاق النار في غزة، ومن ثم وقف عمليات “حزب الله” من الجنوب في اتجاه المواقع الاسرائيلية المتقدمة كمقدمة للضغط على إسرائيل لمنع اعتداءاتها ضد لبنان، قبل التفكير في الانتقال إلى مرحلة متقدمة  لتطبيق القرار ١٧٠١.
 أمّا تصريح هوكشتاين عقب لقائه الرئيس بري لنحو ساعة ونصف الساعة عن ان الهدنة في غزة ليس بالضرورة أن تمتد تلقائياً إلى لبنان، فاعتُبر كلامًا تهويليًا ليس إلاّ، لأن ما قاله يتناقض مع مهمته الأساسية، وهي التأكد من دخول وقف النار حيز التنفيذ على الجبهة الجنوبية، تزامنًا مع التهدئة في غزة.
قد يكون الشقّ الأول من مهمة هوكشتاين أسهل بكثير من الشق الثاني، وهو الذي يبدو أنه أعدّ العدة الكاملة لتوظيف سريع وتلقائي للهدنة التي تتواصل الجهود بقوة لإعلانها في غزة، بحيث ينطلق تواً على وقعها مسار التهدئة ووقف المواجهات الميدانية بين إسرائيل و”حزب الله” واستتباع ذلك بإعادة نشر الجيش و”اليونيفيل” وفق القرار 1701 في جنوب الليطاني، على ان تنطلق آلية مفاوضات يتولاها الجانب الأميركي للتوصل الى تذليل نقاط الخلاف بين لبنان وإسرائيل على النقاط المتبقية من الخط الأزرق، بعد أن يقنع الطرفين  بالحل الديبلوماسي الكامل الذي فُهم منه بأن التسوية الحدودية هي شرط لديمومة الاستقرار على جانبي الحدود. وهنا مكمن الصعوبة في المهمة الشاقة، التي تنتظر “مهندس” الترسيم البحري.
ولم يكد هوكشتاين يصعد إلى الطائرة حتى أتاه ردّ “حزب الله”، الذي لم ينتظر طويلًا. وخلاصة ذا الردّ أن لا كلام الآن قبل هدنة غزة، وبعد الهدنة منحكي». وأرفق “الحزب” ردّه بتسجيل بالصوت والصورة يعلن فيه نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم: أنه “من أراد أن يكون وسيطًا معنا فعليه أن يتوسط أولًا لوقف العدوان على غزة”